التأهيل المهنى
يعرف التأهيل المهني بأنه تلك المرحلة من عملية التأهيل المتصلة والمنسقة التي تشمل توفير خدمات مهنية مثل التوجيه المهني والتدريب المهني والإستخدام الإختباري بقصد تمكين الأشخاص من ذوي الإعاقة من ضمان عمل مناسب، والتأهيل عملية تتضافر فيها جهود فريق من المختصين في مجالات مختلفة لمساعدة الشخص المعاق على تحقيق أقصى ما يمكن من التوافق في الحياة من خلال تقويم طاقاته ومساعدته على تنميتها والإستفادة منها لأقصى ما يمكن.
وبما أن عملية التأهيل عملية مستمرة والتأهيل المهني جزء من هذه العملية فهو يهدف إلى تحقيق الكفاية الإقتصادية عن طريق العمل والإشتغال بمهنة أو حرفة أو وظيفة والإستمرار بها، كما تشمل هذه العملية المتابعة ومساعدة ذوي الإعاقة على التكيف والإستمرار والرضا عن العمل، والإستفادة من قدراتهم الجسمية والعقلية والإجتماعية والمهنية والإفادة الإقتصادية بالقدر الذي يستطيعونه، وتحقيق ذواتهم وتقديرهم لها وإعادة ثقتهم بأنفسهم، وتحقيق التكيف المناسب والإحترام المتبادل بينهم وبين أفراد المجتمع باعتبارهم أفراداً منتجين فيه، وهو يساعد على ممارستهم لحقوقهم الشرعية خاصة في مجال الحصول على الأعمال التي تتناسب مع استعداداتهم وإمكانياتهم..
ويساهم التأهيل المهني للأشخاص من ذوي الإعاقة أيضاً في دفع عجلة التنمية الوطنية وذلك للمردود الإقتصادي للتأهيل والذي لا يقتصر على استغلال طاقات الفرد وكفايته الذاتية من الناحية الإقتصادية بل يتعداها إلى توفير الأيدي العاملة من جهة، وتوجيه الطاقات المعطلة عندهم إلى الإنتاج، وزيادة الدخل من جهة ثانية، ونتيجة لنجاح عملية التأهيل وحصول الشخص ذي الإعاقة على الشغل المناسب نلاحظ تغيراً في اتجاهات الناس ونظرتهم نحوه بحيث تتطور من النظرة السلبية وأنه عالة على المجتمع إلى النظرة الإيجابية، ولا ننسى أن نجاح عملية التأهيل بشكل عام لا يمكن تحقيقه إلا إذا أخذنا بعين الإعتبار ظروف الشخص وخصائصه وميوله وقدراته وسمات شخصيته ومستوى تكيفه ومستواه التعليمي ودرجة إعاقته، ومقدار دعم الجماعة له، واستعداد المجتمع لتوفير فرص النجاح الملائمة لعملية التأهيل بما فيها تغيير الإتجاهات وسن التشريعات التي تعطي المعوق حقوقه الإنسانية سواء في النواحي التربوية والإجتماعية وفرص العمل كغيره من المواطنين والتخطيط لبرامج التدريب المهني بحيث يتناسب ذلك مع قدرات الشخص المعاق وميوله ومتطلبات سوق العمل المحلي ومراعاة التغير الإقتصادي والظروف الإقتصادية للبيئة التي سيعيش فيها المعوق ويعمل، وأن يأخذ بعين الإعتبار ما يجري على بعض المهن والصناعات من تطور وتغير.
أسس ومبادىء التأهيل المهني
يقوم التأهيل المعاصر للأشخاص من ذوي الإعاقة على مجموعة من الأسس والمبادىء التي ينطلق فيها العاملون لمساعدتهم على العودة إلى الحياة والإندماج فيها بأعلى درجة من التوافق، وهذه الأسس والمبادىء هي التي تحدد لنا فلسفة التأهيل وبرامجه.
الطبيعة الكلية للفرد:
ويقصد بهذا المبدأ ألا ننظر إلى الفرد على أنه مكون من أجزاء بدنية وعقلية ونفسية وإجتماعية وإقتصادية، فهذه الأجزاء قد تستخدم فقط لأغراض علمية ولأغراض التدريب، إن الشخص المعاق يحيا ويعمل ويحب ويحس ويفكر كشخص كلي له وحدة واحدة. كذلك فإن النظرة الكلية للفرد تجعلنا ندرك أن عملية النمو عملية مستمرة طول الحياة وأن كل مرحلة من مراحل حياة الفرد تتأثر بما قبلها من مراحل، كما أنها ترتبط بالمراحل التالية وتؤثر فيها.
حق تقرير المصير:
وهذا مبدأ من المبادىء الهامة في العمل مع البشر في كل المواقع، فلكل إنسان الحق في اختيار أمور حياته الشخصية طالما كان قادراً على تحمل مسؤولية الحكم على الأمور، ويعني هذا أن للفرد الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة به، وأن يحدد أهدافه الخاصة، وكذلك في أن يقرر كيفية تحقيق هذه الأهداف.
الحق في المساواة:
إن الحق في المساواة هو الذي يؤكد مسؤولية المجتمعات في بذل كل ما يمكن نحو إعداد وتنفيذ البرامج التأهيلية المناسبة التي تساعد الأشخاص ذوي الإعاقة على دخول حياة المجتمع، والإشتراك فيها بقدر ما يستطيعون والإستفادة منها بقدر ما يحتاجون والإحساس بكرامتهم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.
المشاركة في حياة المجتمع:
إحدى المبادىء الهامة التي توجه عملية التأهيل المهني للأشخاص من ذوي الإعاقة وتحدد الهدف الرئيسي منها هي أن نساعدهم على أن ينموا طاقاتهم ليشاركوا في حياة المجتمع بكل ما يستطيعون وأن يشاركهم أيضاً المجتمع حياتهم بأن يساعدهم على الإندماج فيه وإزالة العقبات من طريقهم.
التركيز على جوانب القدرة:
من بين المبادىء الهامة التي يرتكز عليها مبدأ التركيز على جوانب القوة الباقية لدى الفرد بعد حدوث الإعاقة، وهذا المبدأ لا تقتصر أهميته على الجانب الفلسفي للتأهيل المهني وإنما يمتد إلى الجانب التنفيذي الإجرائي، حيث تتطلب كل المهام البدنية والأنشطة والأعمال قدرات للقيام بها، ومن ثم فإن التأهيل يستلزم تنمية القدرات والإستفادة منها في الوقت الذي لا نتجاهل فيه جوانب الإعاقة الناتجة عن القصور. ويمثل البعض هذا المبدأ بزجاجة ملئت بالماء إلى نصفها، وفي حين يراها البعض نصف فارغة فإن البعض الآخر يراها نصف مملوءة، وهو المبدأ نفسه الذي يتبعه العاملون في التأهيل المهني لذوي الإعاقة، حيث يكون تركيزهم على جوانب القوة لدى الفرد فتصبح بداية لسلوك التعامل مع الإعاقة بدلاً من الاستسلام لها.
الاهتمام بتعديل البيئة:
لا يمكن أن ننكر أثر البيئة في زيادة الأثر المترتب على القصور البدني أو العقلي والذي يعرف بالإعاقةHandicap وفي السنوات الأخيرة بدأ العمل مع المعوقين يتجه في اتجاهين يتقابلان في نقطة محددة ـ فالإتجاه الأول نساعد فيه الفرد على الإستجابة لمطالب البيئة. والإتجاه الثاني نجري فيه تعديلات على البيئة بما يساعد على دخول الفرد إليها ـ ومن مثل هذا الإتجاه نشأت فروع الهندسة الحيويةBioengineering التأهيلRehabilitation وتضافرت جهود العلماء من فروع متعددة لمساعدة الفرد المعوق.
كرامة الإنسان:
الكرامة جزء من تكوين الإنسان وشخصيته وهي كما يراها البعض في قمة تكوين الإنسان وحولها تدور حياته وعنها وبسببها تكون إنفعالاته ودفاعاته، بل وحروبه، ومبدأ كرامة الإنسان مبدأ راسخ أرساه الإسلام في نصوص الذكر الحكيم: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (سورة الإسراء ـ الآية 70) ومن هذا المبدأ ينطلق التأهيل الذي يدور أساساً حول إعادة الكرامة للفرد ذي الإعاقة ويصبح بذلك حقاً لكل إنسان ويترتب عليه أن يكون واجباً على كل من يعمل معه أن يتقبل الفرد المعوق بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو درجة الإعاقة التي وصل إليها أو سبب حدوثها، وأن يكون لديه إقتناع بأن من حق المعوق أن يصل إلى أقصى درجات من الرضا الذاتي والنفع الإجتماعي.
الإهتمام بالفردية:
من المبادىء الهامة في التأهيل المهني لذوي الإعاقة أن نهتم بفردية الشخص وأن ننظر إليه باعتباره وحدة قائمة بذاتها متفردة في خصائصها، ويترتب على مبدأ الفردية أو التفريد أن يكون لكل فرد قيمة ذاتية، وأن نركز على جوانب القوة لديه ونعززها ونعمل على تنميتها، وأن يكون العمل معه على أساس خطة فردية مرنة.